انفلونزا الطيور.. والحج
مقاله للاستاذ غازي عبداللطيف جمجوم
اللقاء العظيم في الحج الذي يجمع بين مختلف الاجناس من شتى أنحاء المعمورة يعطي الفيروسات التي تنتقل عبر الهواء، ومن أهمها فيروسات الانفلونزا فرصة فريدة لإصابة عدد كبير من الناس والانتقال بينهم من شخص إلى آخر.
لا عجب إذاً أن كانت الانفلونزا – البشرية- وأمراض الجهاز التنفسي الأخرى من أبرز أمراض الحج عاما بعد عام.
ماذا عن انفلونزا الطيور التي وصلت إلى المنطقة الوسطى من بلادنا وأصابت بعض مزارع الدواجن هناك؟ هل تشكل هذه الانفلونزا أي تهديد لسلامة الحجاج ؟ وما هي احتمالات انتقالها بصورة وبائية، لا قدر الله، بينهم ؟
انفلونزا الطيور مرض محير فعلا، فبينما تشكل الطيور الموطن الطبيعي لكثير من فيروسات الانفلونزا وتتعايش معها بسلام، تفتك بعض هذه الفيروسات بأنواع من الطيور بضراوة.
النوع الذي يهمنا الآن، و يسمى H5N1، هو الذي اجتاح العالم في السنوات الأخيرة مسببا الوفاة أو الإعدام الاحترازي لمئات الملايين من الطيور في حوالى 57 دولة حتى الآن، هذ النوع لا زال يعتبر مرضا حيوانيا يصيب الطيور بشكل أساسي.
ومع ذلك فإن له القدرة على إصابة البشر والفتك بنسبة عالية (حوالى الثلثين) ممن يصيب، وقد تسبب هذا النوع في وفاة 206 أشخاص في 12 دولة منهم 91 في أندونيسيا وحدها. أغلب الناس المصابين كانوا من سكان القرى والمزارع الصغيرة الذين يعيشون في اختلاط وثيق مع طيورهم.
وأغلب الحالات البشرية انتقلت مباشرة من الدواجن إلى الإنسان. ومع ذلك تشير بعض الدراسات إلى وجود إمكانية محدودة لانتقال الفيروس من شخص مصاب إلى بعض الأشخاص المخالطين له بصورة وثيقة.
خلاصة الكلام أن لا أحد يعلم، إلا الله عز وجل، ماذا سيفعل فيروس انفلونزا الطيور بالضبط إذا وجد الفرصة سانحة للوصول إلى الناس والانتقال بينهم وسط خليط من الفيروسات البشرية الشائعة من أنواع (H1N1،H3N2) كما هو موجود عادة في الحج.
ومما يزيد الأمر سوءا غياب اللقاح الفعال للبشر ضد هذا الفيروس (بخلاف الانفلونزا البشرية) أو العلاج الشافي، عدا عقاري « تامي فلو» و«ريلنزا» اللذين لهما فعالية محدودة في بداية الإصابة، وإن لم ينصح باستعمالهما على نطاق واسع حتى لا تتوالد سلالات مقاومة من الفيروس.
في ضوء هذا كله يكون الاحتياط واجبا لتقليص أي احتمال لتواجد فيروس انفلونزا الطيور في وضع تتكاثر فيه الفيروسات البشرية الأخرى خوفا من أن يؤدي الاختلاط بين هذا النوع الحيواني والأنواع البشرية إلى ظهور أنواع تجمع بين الضراوة العالية للإنسان وسهولة الانتشار بين البشر.
ليس الهدف هنا إثارة الذعر، وإنما الدعوة إلى تطبيق كل جوانب الحيطة الممكنة لحماية حجاج بيت الله.
فما هي هذه الجوانب؟
أول جانب منطقي هو التقليل من احتمال وصول الفيروسات الحيوانية إلى الحجاج بواسطة الطيور الحية المصابة.
هذا يعني منع وصول الطيور الحية إلى مناطق تجمع الحجاج وخاصة مكة المكرمة والمدينة المنورة والمشاعر، ومنع تداول الطيور في هذه الأماكن من قبل كل من له اتصال وثيق بالحجاج.
أي أن يكون الاعتماد على الطيور التي تذبح وتنظف وتعبأ في أماكن بعيدة عن أماكن الحج ثم ترسل مبردة أو مجمدة أو مطبوخة إلى أماكن إقامة الحجاج.
ثانياً: المراقبة الدقيقة والتبليغ السريع لحالات الانفلونزا وخاصة عدد الوفيات غير المتوقعة الناتجة عنها مثلا بين الشباب والأصحاء نظرا لما هو معروف من شراسة عدوى فيروس انفلونزا الطيور بين البشر.
ثالثاً: من المنصوح به تطعيم أكبر عدد ممكن من الحجاج مسبقا بلقاحات الانفلونزا البشرية المتاحة. اللقاح المتوفر ضد الفيروسات البشرية مطلوب في حد ذاته للكثيرين لأن انفلونزا البشر نفسها مرض لا يستهان به خاصة بين المسنين أو من يعانون من أمراض القلب والرئتين، كما أن الوقاية من فيروسات الانفلونزا البشرية تقلل من احتمالية اختلاط هذه الفيروسات بالفيروس الحيواني من خلال الإصابات المزدوجة في حالة ظهور ذلك الفيروس.
رابعاً: يجب مضاعفة عدد المختبرات القريبة من مناطق الحج التي لها القدرة على تشخيص أنواع فيروسات الانفلونزا التي تصيب الحجاج لاستبعاد أية إصابات بانفلونزا الطيور، لا قدر الله.
ويجب توفير أسرع طرق التشخيص وأدقها، وذلك يشمل حاليا طريقة تفاعل البلمرة التسلسلي (PCR). هذه الطريقة الحساسة تحتاج إلى استعدادات جيدة ومختبرات ذات خبرة مسبقة تتوفر بها كافة المواد اللازمة و تخضع لتقييم معتمد. وقد أثبت توفير هذه الطريقة عندنا فائدتها في سرعة تشخيص حالات الإصابة بين الدواجن.
وفي حالة حدوث أية إصابات بين الناس، لا قدر الله، بفيروس انفلونزا الطيور، يجب توفير أماكن كافية لعزل وعلاج الحالات المصابة. وينبغي مضاعفة أماكن العزل هذه والتأكد من عدم اختلاط المرضى المقيمين بها أو الأشخاص العاملين على علاجهم فيها ببقية الحجاج.
كما ينبغي توفير أعداد كافية من الكمامات الوقائية من أفضل الأنواع للتقليل من انتقال العدوى وحث الحجاج على ارتدائها إذا ظهرت أية إصابات بهذا الفيروس، لا سمح الله.
وأخيرا يجب توفير كميات كافية من الأدوية المشار إليها أعلاه لعلاج المرضى في حالة ثبوت إصابتهم بفيروسات الانفلونزا الحيوانية، لاقدر الله.
ندعو الله أن يجعل حج هذا العام، وكل عام، خاليا من الأوبئة وأن يحفظ حجاج بيته الكرام من كل سوء، وان يقبل حجهم ويعيدهم إلى بلادهم سالمين غانمين